- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠31برنامج الإيمان هو الخلق - قناة سوريا الفضائية
تقديم وترحيب :
أيها السادة المشاهدون ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة من برنامجكم الإيمان هو الخلق .
ونستمر إن شاء الله في رحلتنا المديدة مع الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين في دمشق .
أهلاً وسهلاً سيدي الكريم .
بكم أستاذ علاء جزاكم الله خيراً .
الأستاذ علاء :
ملخَّصٌ تذكيريٌّ :
سيدي الكريم ، نحن في رحلة طويلة ، لكنها ممتعة ، هذه الرحلة التي تتحدث عن مقومات التكليف ، أن الله عز وجل استخلف الإنسان على هذه الأرض ، وحمله الأمانة ، وتحميل الأمانة للإنسان ، وهي أثقلُ شيء ، حيث ناءت بالجبال والسماوات والأرضون ، وحملها الإنسان ، كان في هذا التحميل ، وهذا التكليف مقومات ، وبدأنا في المقومات بالكون ، وأفردنا له الكثير ، والعقل ، ثم الفطرة ، ثم حططنا رحالنا عند الشهوة ، وتحدثنا بالتفصيل عن هذا المقوم من مقومات التكليف في أربع حلقات ، وربما نستغرق أكثر من ذلك في هذه المسألة ، تحدثنا عن الشهوة في اتجاهين ، الشهوة التي تتعلق بحب النساء ، الجنس ، والشهوة التي تتعلق بحب المال ، وتملك المال ، الله عز وجل يقول :
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ﴾
إلى آخر الآية الكريمة .
إذاً : زين للناس الحبَّ ، إذاً : المحبة شيء من الفطرة التي أودعها الله في الإنسان .
الدكتور راتب :
في أصل خلق الإنسان .
الأستاذ علاء :
في أصل خلق الإنسان ، وتحدثنا أن الشهوة هي قوة كامنة ، هذه القوة إذا استطعنا أن نؤطرها ، وأن نُجريها في مجاريها الطبيعية ، وفي قنواتها الطبيعية كانت خلاّقة ، ودفعت بالإنسان ، وارتقت به ، و نمت الحياة ، وإذا انفجرت هذه القوة الدافعة خارج حجرة الانفجار النظامية التي كانت معدة للانفجار وللاستغلال أصبحت مهلكة .
تحدثنا سيدي الكريم عن الجنس ، ومررنا عليه بالتفصيل ، ثم تحدثنا في الحلقة السابقة عن المال ، وقلت : إن المال قوام الحياة ، وهو محبب للنفس .
سيدي الكريم ، الله عز وجل أودع في نفوسنا حب المال ، والمال قوام الحياة ، وهو شيء يحب الإنسان أن يكون في مقدوره ، لكن كيف يستعمل هذا الحب ، وهذه الشهوة استعمالاً صالحا ؟
الدكتور راتب :
المال :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
1 – المال قوّةٌ حيادية :
أستاذ علاء ، أول فقرة أساسية في هذا اللقاء الطيب أن المال حيادي ، هو قوة كبيرة يمكن أن يوظف في الخير كما يمكن أن يوظف في الشر ، والشيء الذي يستخدم بطريقتين متعاكستين يسمى شيئاً حيادياً ، لذلك هذا المعنى الجليل تؤكده الآية الكريمة :
﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ ﴾
فيقول هو :
﴿ رَبِّي أَكْرَمَنِ ﴾
هذه مقولته ، قال تعالى :
﴿ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾
2 – المال يعطيه الله لمَن يحب ولمن لا يحب :
أستاذ علاء ، كلمة ( لا )شيء ، وكلمةُ ( كلا )شيء آخر ، لو أني سألت أخاً كريماً : هل تناولت طعام الفطور ؟ يقول : لا ، أما لو سألته ـ لا سمح الله ـ هل أنت سارق ؟ لا يقول : لا ، يقول : كلا ، لأن كلا أداة ردع وزجر ونفي ، فلذلك الله عز وجل يرد على مقولة الإنسان الواهمة أن كل إنسان أعطاه الله مالاً يتوهم الإنسان أن الله يحبه ، وقد يكون العكس ، لأن قارون أعطاه الله مالاً ، والشيء الذي يعطى لمن يحب ولمن لا يحب لا يعد مقياساً للمحبة ، مادام الله عز وجل قد أعطى سيدنا سليمان الملك ، وأعطى سيدنا عثمان بن عفان المال ، وأعطى سيدنا عبد الرحمن بن عوف المال الوفير ، وأعطى قارون المال الوفير ، مادام الشيء الواحد إذا أعطي لطرفين متعاكسين لا يمكن أن يكون قيمة موجهة في اتجاه خاص .
الأستاذ علاء :
سيدي الكريم ، أفهم من كلامك بأن المال لا يحمل قيمة كامنة توجه الإنسان باتجاه اليمين أو اليسار ، الخير أو الشر ، وإنما الإنسان هو الذي يوجِّهه .
الدكتور راتب :
3 – المال مادةُ امتحانٍ وابتلاءٍ :
لكنها حيادية ، يمكن أن ترقى بالإنسان إلى أعلى عليين ، ويمكن أن تهبط بالإنسان إلى أسفل سافلين ، ووقفنا عند الآية وقفة متأنية :
﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ ﴾
وحيثما وردت كلمة( الإنسان )
في القرآن الكريم فهي تعني الإنسان قبل أن يعرف الله في أصل فطرته ، قال تعالى :
﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ ﴾
الابتلاء هو الامتحان ، والله عز وجل يقول :
﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾
الأصل أن الحياة الدنيا ابتلاء ، قال تعالى :
﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾
﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ ﴾
أي امتحنه بالمال ، قد ينجح ، وقد يرسب ، وقد يرقى بالمال إلى أعلى عليين ، وقد يسقط به إلى أسفل سافلين ، قال تعالى :
﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ ﴾
على الشبكية أكرمه ببيت فخم ، مركبة فارهة ، زوجة جميلة ، دخل فلكي ، سفر ، رحلات ، تصدر في المجالس ، قال تعالى :
﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ ﴾
هو يتوهم أن الله يحبه فيقول :
﴿ رَبِّي أَكْرَمَنِ ﴾
بالمقابل الإنسان ضعيف الإيمان الذي لم تتضح رؤيته بعد حينما يحرم من المال يظن أنه مهان عند الله ، وقد قال عليه الصلاة والسلام :
(( كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ))
﴿ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾
الرد الإلهي : كلا يا عبادي ، ليس عطائي إكراماً ومحبة ، وليس منعي إهانة وازدراءً ، إن عطائي ابتلاء ، وحرماني دواء ، عطائي ابتلاء لهذا الإنسان ، فقد يرقى بالمال إلى أعلى عليين ، وقد يسقط بالمال إلى أسفل سافلين .
هذا الذي أوتي مالاً وفيراً ـ والله أستاذ علاء ـ أمامه من فرص العمل الصالح التي يرقى بها عند الناس وعند الله ما لا يوصف ، بالمال بإمكانك أن تؤسس مياتم ، مدارس ، معاهد ، مستشفيات ، أن تزوج الشباب ، أن تحل مشكلات الملايين ، أن تكون محبتك في قلوب جميع الخلق ، بإمكانك بالمال أن ترقى به إلى أعلى عليين .
إنفاق المال تطهير للغني والفقير :
حينما قال الله عز وجل :
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ﴾
تؤكد صدقهم في محبة الله .
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ ﴾
تطهر الغني من الشح ، تطهر الفقير من الحقد ، تطهر المال من تعلق حق الغير به .
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾
تزكو نفس الغني حينما يرى عمله قد ملأ القلوب محبة له ، وقد مسح الدموع من عيون الأطفال ، وقد حل مشكلات بعض الناس محبته في قلب الناس جميعاً ، يشعر بقيمته في الحياة ، يشعر أنه إنسان أدى دوراً إيجابياً ، كان في مستوى المهمة التي أوكله الله إياها .
إذاً : الغني تنمو نفسه حينما يرى آثار عمله ، ويكون من حوله حراساً له ، وليس يتوهم أنهم سينقضون عليه ، فرق كبير بين المحسن الذي كل من حوله حراس له ، وبين المسيء الأناني الذي يعيش لذاته ، ولا يعبأ بآلام البشر ، هؤلاء يظن الغني أنهم يتربصون به ، وبين أن يكون مطمئناً ، وبين أن تعيش قلقاً ، فلذلك الغني تنمو نفسه ، والفقير حينما يرى أن المجتمع مهتم به مهتم بصحته ، مهتم بمعيشته بأولاده بمسكنه .
الأستاذ علاء :
يتبرأ من الحقد .
الدكتور راتب :
الإنفاق سياسةُ تماسُكِ المجتمعِ :
وفي النهاية ، ولننتقل إلى موضع آخر ، يتماسك المجتمع ، وإذا تماسك المجتمع كان سداً منيعاً لا يخترق .
وقد يحسن أن ننتقل نقلة لطيفة من موضوع ديني إلى موضوع سياسي ، كيف ؟ عَنْ سَعْدٍ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ ))
كيف ؟ هذا الفقير إذا أطعمته إذا كان جائعاً ، إن كسوه إن كان عارياً ، إن آويته إن كان مشرداً ، إن علمته إن كان جاهلاً ، إن عالجته إن كان مريضاً ، إن أنصفته إن كان مظلوماً ، هذا الضعيف بإمكانك أن تسحقه ، أو أن تهمله ، أو لا تعبأ به ، ولكن حينما تهتم به ابتغاء وجه الله كي يرضى الله ، يكافئ الله الأمة التي تعتني بضعفائها بأن ينصرها على من هو أقوى منها ، أنت إذا نصرت مَن هو أضعف منك كافأك الله بأن ينصرك الله على مَن هو أقوى منك ، لذلك قال تعالى :
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ﴾
تؤكد صدقهم ، تطهرهم ، تطهر الغني من الشح ، والشح مرض خطير ، وكأنه على مستوى الجسم ورم خبيث ، قال تعالى :
﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾
تطهر الفقير من الحقد ، تطهر المال من تعلق حق الغير به ، وتزكيهم ، تزكي نفس الغني حينما يشعر أنه في قلوب مَن حوله ، تزكي نفس الفقير حينما يشعر أن مجتمعه مهتم به ، تزكي المال ، المال يزداد بطريقتين ، بطريقة القانون الاقتصادي : أنك إذا أعطيت الفقير مالاً أصبح بيده قوة شرائية ، اشترى بها مِن عند الغني مرة ثانية ، فأحياناً الدول القوية والغنية تساعد الدول الضعيفة من أجل أن ترفع قوة شرائها منهم .
الأستاذ علاء :
وتعمل على رفع الدخل عند أفرادها لكي يكون القوة الشرائية لديهم بمستوى بضاعتهم وما ينتجون .
الدكتور راتب :
نموُّ المال وعلاقته بالعناية الإلهية :
شيء آخر ، أن المال أحياناً ينمو بطريقة لا نعرفها أنا أسميها العناية الإلهية ، أنت حينما تعطي من مالك يخضعك الله عز وجل لقانون آخر غير القانون المعروف عند الناس ، يحفظ لك مالك ، ينمي لك مالك .
إذاً : قضية المال حيادي ، إما أن يوظف بالخير ، أو أن يوظف في الشر ، أنا أعجب من هؤلاء الموسرين ، بإمكانهم أن يكونوا في أعلى عليين ، فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(( لَا حَسَدَ إِلَّا عَلَى اثْنَتَيْنِ : رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْكِتَابَ ، وَقَامَ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ ، وَرَجُلٌ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يَتَصَدَّقُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ))
كلا يا عبادي ، ليس عطائي إكراماً كما تتوهمون ، عطائي ابتلاء ، المال قيمة موقوفة على طريقة إنفاقه .
الأستاذ علاء :
أو طريقة الاستخدام .
إذاً : أعود سيدي إلى مسألة .
الدكتور راتب :
أحياناً سكين تقطع بها الخضار والفواكه ، وقد يذبح بها إنسان ، السكين حيادية موقوفة على طريقة استخدامها .
الأستاذ علاء :
أعود إلى مسألة التطهر والتزكية ، وهي بمنزلة إعادة المناعة للجسد وللروح ، وبالتالي يستطيع هذا الجسد الذي هو مثال للأمة كما تفضلت التي تترابط كالبنيان المرصوص ، ليعيد المناعة إلى الجسد والروح ، أي على المجتمع بترابطه ، بتزكيته ، بانتفاء الحقد من بين ضلوع أبنائه ، وبالتالي يصبح هذا الجسد في مناعة تأبى الأمراض والأدواء ، وكل ما يصيب الجسد ، وكذلك الروح ، لذلك ننصر بالضعفاء ، والله عز وجل ينصرنا على أعدائنا بضعفائنا إن التفتنا إليهم .
نعود إلى المسألة التي تفضلت بأن المال حيادي ، وكل ما قدمت لنصل إلى مسألة هامة المال حيادي يوظف في الخير ويوظف في الشر .
الدكتور راتب :
الدنيا دار ابتلاء مؤقتة :
لكن لا بد تعقيب ، هو أن هذه الدنيا دار ابتلاء لا دار استواء ، ومنزل ترح لا منزل فرح ، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ، لأنه مؤقت ، ولم يحزن لشقاء ، لأنه مؤقت ، قد جعلها الله دار بلوى ، وجعل الآخرة دار عقبى ، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سببا ، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا ، فيأخذ ليعطي ، ويبتلي ليجزي ، الآن الحظوظ والمال موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء ، وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء ، وفرق كبير بين الابتلاء والجزاء ، الابتلاء موقوف على طريقة إنفاقه ، أما الجزاء فأبدي ...
الأستاذ علاء :
لماذا يظن الإنسان بأن الحظوظ هي كما تفضلت جزاء في الدنيا ؟
الدكتور راتب :
أوهام بسبب ضيقِ الأفق :
لضيق أفقه ، لأن الله عز وجل يقول :
﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ﴾
لكن أستاذ علاء ، لو أن الإنسان عاش ستين عامًا ، وكان غنياً ، ولم ينجح في امتحان الغنى ، فتكبر ، واستعلى ، ونسي من حوله من الفقراء ، وقال : أنا قوي ، أنا غني ، الدراهم مراهم ، وهكذا ، وإنسان عاش ستين عاماً ، وكان فقيراً ، فنجح في امتحان الفقر ، تجمل وصبر ، وسعى جهده لرفع دخله ، فإذا لم يستطع قنع بما آتاه الله ، الآن تنتهي الستون عاما ، هناك الأبد ، فالذي نجح في امتحان الفقر ملِك الأبد ، والذي رسب في امتحان الغنى مصيره إلى النار ، فلذلك البطولة ليس ما في الدنيا ، هذا المعنى أشار إليه الإمام علي رضي الله عنه قال : << الغنى والفقر بعد العرض على الله >> ، فلا يسمى الغني غنياً في الدنيا ، ولا الفقير فقيراً ، الغنى والفقر بعد العرض على الله ، لذلك قضية الامتحان ، المال امتحان ، فإما أن يرقى بك إلى أعلى عليين ، وقد تنافس به كبار الدعاة وكبار العلماء ، لأن العلم قوة ، والمال قوة ، يوظف في الخير كما يوظف في الشر .
أستاذ علاء ، ما دمنا في هذا الموضوع لا بد من ملاحظة ، الإنسان في الأصل مخير ، وحينما نتوهم أنه مسير فقد ألغينا الأمانة ، ألغينا التكليف ، ألغينا كل هذه الندوات ، الإيمان هو الخلق ، ألغينا الثواب ، ألغينا العقاب ، ألغينا الجنة ، ألغينا النار ، أنت حينما تتوهم أن الإنسان مسير فقد ألغي كل شيء .
الأستاذ علاء :
كنت أتمنى أن نستمر في هذا الموضوع ، لكن وقت الفقرة العلمية حان ، وإن شاء الله نستمر في هذا في لقاء قادم إنشاء الله ، ماذا اخترت لنا سيدي في الفقرة العلمية ؟
الدكتور راتب :
الموضوع العلمي : ظاهرةُ التمويه عند الحيوانات :
1 – التخطيطات العسكرية الدفاعية والهجومية عند الحيوانات :







2 – هداية الله العامةُ لجميع مخلوقاته :
هداه إلى مصالحه ، الحقيقة أن في هذه المشاهد آيات باهرات دالة على عظمة الله عزوجل ، بعض العنكبوت بنفس لون الزهرة كما رأينا قبل قليل ،وبعض الوحوش بلون النباتات المحيطة بها ، وبعض الفهود والأسود كلها تعيش أجواء البيئة التي هي فيها ،
فكأنها جزء من النبات التي هي خلفه ، وهذا شيء عظيم جداً ، ويأخذ بالألباب ، كأن الله سبحانه وتعالى تولى هداية الكائنات إلى مصالحها ، هذه هداية الله العامة لكل الخلق ، كل مخلوق مهيأ ليواجه الأخطار المحدقة به ، كل مخلوق مهيأ كي يتلاءم مع البيئة التي خلق فيها ،
من أكبر الوحوش إلى أصغر الوحوش إلى الفراشات إلى الكائنات الدقيقة جداً
كلها آتاها الله نوعاً من التمويه كي تنجو من عدوها وكي تصل إلى غذائها .
3 – ظاهرة التمويه عند الطائر في أجواء الشتاء والثلوج :






4 – ظاهرة التمويه عند الطائر في أجواء الصيف :
الآن يدخل بعد قليل في موسم الصيف ، الموسم صيف ، غابت الثلوج تماماً ، واخضر الغطاء النباتي ، وأظهر الطائر القطبي تمويهاً فائقاً أيضاً ، إذا يلاحظ أن جسم الطائر تغيير لون ريشه تغيراً ثالثاً متناسقاً مع الفصل الذي هو فيه ، هذا من خلق الله عز وجل ، ومن عظمة آياته الدالة على وجوده ووحدانيته وكماله ، والطائر ليس عاقلاً ،كل مظاهر التمويه الخارقة تحتاج إلى تفسير طبعاً ، يستحيل على الطائر القطبي بالتأكيد تعيين لون ريشه بحسب وسطه الذي يعيش فيه ، فهو لا يملك ذلك العقل الذي يعرف به الفائدة التي يجنيها التمويه .
5 – رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى :
إذاً : فمن أعطى هذا الطائر قابلية التمويه الفائقة ؟ من يعرف احتياج الطائر إلى تمويه خاص بكل موسم ؟ من هذا الرسام الرائع الذي رسم على ريشه نقش البيئة ولونها ؟ هذه الأسئلة توصلنا إلى حقيقة واحدة ، هي أن هذا الطائر خلقه الله تعالى وقد وهبه الميزات التي هو عليها .
ومرة ثانية ، قال تعالى :
﴿ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾
والتفكر أسرع طريق ، وأقصر طريق لمعرفة الله ، وأوسع باب ندخل منه على الله ، لأن التفكر في خلق السماوات والأرض يضعنا أمام عظمة الله .
خاتمة وتوديع :
الحقيقة أننا كنا نتمنى أن يكون الوقت أكثر من ذلك لنستزيد من هذا العطاء الجميل ، ونحن في هذه الواحة الطيبة لا يسعنا أعزائي المشاهدين إلا أن نشكر الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق ، إنشاء الله نلتقي في الحلقة القادمة لنتم ما كنا قد بدأناه في موضوع المال من عناصر الشهوة التي هي مقوم من مقومات التكليف ، شكراً وإلى اللقاء .